ديمومة الشركات العائلية

ديمومة الشركات العائلية

 

 

هل تعلم أن شركة  WALMART “وول مارت” الأمريكية، مجموعة شركات “فولكس واجن” لصناعة المركبات و شركة “فورد” الأمريكية كلها شركات عائلية؟ 

هل تعلم أن الشركة الجزائرية “حمود بوعلام”، هي شركة عائلية تأسست سنة 1879 وهي شركة رائدة في مجال المشروبات إلى يومنا هذا؟

 

طبقًا لدراسة حديثة أصدرتها جامعة “سانت غالن” بسويسرا فإن أكبر 500 شركة من الشركات القائمة على عمل العائلة في العالم والتي تمثل من 80 إلى 90 بالمئة من إجمالي عدد شركات العالم، وتعتبر من أهم محركات إجمالي الناتج المحلي ونمو قطاع التوظيف.

تحمل الشركات العائلية أسباب نموها و توهجها و استمراريتها بما تملكه من وفاء وتضحية وتلاحم بين أعضائها، خلال التأسيس والتطوير، غير أنها للأسف وفي نفس الوقت تحمل بذور فنائها، فحين تستقر الشركة و تعظم الأرباح و يتعاقب المسؤولون و يتدرج الأبناء في المسؤوليات تتشابك الصلاحيات ويتحول مجلس اتخاذ القرار من الشركة إلى جلسة العائلية بالمنزل (في أحسن الأحوال!!)، و تتحول القرارات إلى قرارات مبنية على العاطفة فهذا ابني و هذا أخي و ذاك ابن أخي، و تتحول المناصب إلى وراثة وليس استحقاق، فما تلبث الشركات حتى تنقسم إلى فرق مبنية على التنافسية على حساب رؤية الشركة و استمراريتها.

فتصل الشركة إلى حتميتها المشؤومة و هي أصعب لحظة قد يعيشها مؤسس الشركة و الذي أفنى حياته في بنائها “لحظة انهيار الشركة و تصفيتها”!!

 

فكيف نحافظ على شركاتنا العائلية من الزوال و نساهم في استمرارها لأجيال؟

نجيب عن هذا السؤال عبر الرد على الأسئلة التالية:

* لماذا أنشأت الشركة؟

* هل مجلس الإدارة موضة أم من شروط دوام الشركة؟

* أيهما أولى الولاء أم الخبرة؟

* كيف نؤسّس لصورة شركة لا تموت بموت مؤسّسها؟

* بين مال الشركة و مال الشريك؟

 

 

الرسالة والغاية: 

لكل شركة رسالة وغاية (mission) تعبّر عن سبب وجودها، وتشير إلى القيم التي تقوم عليها، سواء أكانت هذه الرسالة مكتوبة أم تصورا في وعي مؤسسيها.

وتتأطر رسالة رجل الأعمال المسلم بالرؤية الكونية الإسلامية القائمة على كون الحياة الدنيا ساحة اختبار لخيرية الإنسان وحسن عمله، مصداقا لقول الخالق العظيم “الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا”، ومن هذا المنطلق يجتهد المسلم على تجويد عمله والبلوغ به إلى مراتب الإتقان والرسوخ، كي يلقى الله تعالى نقيا من سيء الأفعال، وغنيا برصيد مَرْضِيّ من العمل الصالح.

إن شركةً تقودها هذه الرسالة الإسلامية الراقية ستبذل كل الجهد في سبيل بلوغ مراتب الاحترافية والإتقان، والحفاظ على سيرورة التطوير والإبداع لاكتساب مزيد من أسباب التفوق والاستمرار، ضمن حدود شريعة الخالق العليم، لتكون زادا حسنا عند الله تعالى لكل من تعاقب عليها من المسيرين والموظفين، وذكرا طيبا عند الناس “وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ”.

والشركة العائلية تولَد في رحم رابطة القرابة، معتمدة على الكفاءات القريبة، ولما يزداد حجمها وتكثر تحدياتها تكون أمام خيارين: فإما اعتماد مبدأ أولوية مصلحة الشركة وتقديم مبدأ الكفاءة على القرابة، وإما تفضيل المصلحة العائلية الضيقة، ولا ريب أنها بالاختيار الثاني ستكون عاجزة أمام تحديات السوق، فتفضل أن تبقى محدودة الطموح ضئيلة الحجم، وفي أحيان كثيرة ستفقد القدرة على الصمود فتتلاشى.

ولا ريب أن القرار بتفضيل القرابة على الكفاءة يعني الزهد في تقديم العمل الأصلح والأحسن، وتفويت التموقع في بؤرة التدافع العالمي نصرةً للخير والصلاح، وإن التدبر في كثير من آيات الله تعالى يعلمنا أن مثل هذا القرار له حساب عند الله تعالى.

فالممارسات التي تؤدي إلى خنق الشركات العائلية وتقليص مدة حياتها وكبت طاقتها الكامنة مخالفةٌ للمنطق الاقتصادي الذي يدفع لمزيد من النمو والتمكّن في السوق، ومخالفةٌ لمبادئ الأخلاق الإسلامية ورؤيته الكونية.

 

أهمية مجلس الإدارة في الحفاظ على ديمومة الشركة:

هل تحضرك أمثلة عن شركات انهارت بموت أو ضعف مؤسسها؟

هل تتبادر إلى ذهنك أمثلة عن شركات استمرت ودامت بعد وفاة مؤسسها؟

في دراسة قامت بها مؤسسة #BCOS مع مجموعة من كبار مؤسسي الشركات، حيث تم طرح السؤال التالي:

في حال وفاتك الآن، ماهو مصير شركتكم؟

و كانت النتائج كالتالي:

72% من الشركات ستنهار عاجلا أم آجلا بعد وفاة مؤسسها

28% من الشركات لن تتأثر و ستستمر بصفة عادية

 

فتخيل أثر انهيار أكثر من ثلثي الشركات بعد وفاة مؤسسها على الاقتصاد و المجتمع!!…

 

إن حياة الإنسان مهما طالت فهي محدودة وإن طاقة الإنسان وقوته مهما كبرت ضعفت، سواء بالعجز أو الوفاة، ولمّا كانت ديمومة الشركات هدفا ساميا للمسلم الواعي، فإن على المؤسس أن يسعى إلى وضع وتأسيس نظام في شركته لا تزول بزواله.

من بين أهم الأنظمة الأساسية والتي لا يمكن للشركة العائلية أو غيرها، أن تستغني عنها هي #مجلس_الإدارة، حيث يضمن إعادة بعث الشركة حين انخفاض أداء مؤسسها بحكم العمر أو المرض أو العجز.

فما هو دور مجلس الإدارة؟ ومما يتكون هذا المجلس؟

وماهي واجبات مجلس الإدارة؟

وماهي شروط نجاحه؟

 

يتمثل الدور الأساسي لمجلس الإدارة في حفظ مصالح شركاء المال، وذلك من خلال التخطيط الاستراتيجي للشركة، وممارسة دور الرقابة الدورية والمستمرة للوقوف على الانحرافات والفروقات وتصحيحها في أوانها تجنبا لتعمقها وتراكم تبعاتها.

يقوم #مجلس_الإدارة بدوره وفقا لما تتطلبه المصلحة العامة للشركة، ويكون مسؤولا عن أدائها أمام شركاء المال (الجمعية العامة).

يتكون مجلس إدارة الشركة من ممثل شركاء المال و ممثل العائلة والمسيّر، ومستشارين على حسب الضرورة (التقني، التسيير)، يشترط أن يكونوا مستقلين، أي غير خاضعين لأيّ عامل قد يؤثر أو يحدّ من قدرتهم على مناقشة مختلف القضايا التي تطرح على المجلس بشكل موضوعي وغير متحيّز.

تتمثل واجبات مجلس الإدارة:

1. وضع مخطط استراتيجي ومتابعته.

2. التأكد من وجود آليات رقابية تضمن حسن أداء وتسيير الشركة.

3. الموافقة على الخطط السنوية (الأهداف) وتحديد الميزانية السنوية للشركة.

4. الدراسة والتدقيق في مختلف التقارير الدورية ومقارنتها بالخطط والأهداف.

5. وضع معايير تضبط حدود المخاطرة المقبولة المخولة لمسير الشركة.

6. الاطلاع على المستجدات القانونية والتنافسية ومحاولة استشراف المستقبل على ضوئها.

 

ومن أهم شروط ضمان نجاحه:

• الرفع من وعي طاقم التسيير و شركاء المال، ووضع ميثاق محكم يضمن حسن توزيع السلطة بين مختلف مستويات الشركة

• تأسيسه و الشركة في أفضل حال (في ذروة نجاحها).

• و في حال المشاريع الجديدة يكون من بين ركائز تأسيس المشروع.

 

* أخيرا هل ترى أن شركتك عرضة للانهيار بعد وفاتك أو عجزك؟ هل بادرت لاجتناب هذا المصير؟

المنشورات ذات الصلة